المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إفشاء السلام قيمة لا شعار بقلم أ.د/ محمد مختار جمعة


غاوى مشاكل
11-22-2016, 02:11 PM
هذة المقال كتبت بقلم شيخنا الكبير أ.د/ محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف المصري وعضو مجمع البحوث بالأزهر الشريف

إفشاء السلام ليس مجرد شعار إنما هو قيمة إنسانية راقية حرص ديننا الحنيف على ترسيخها ، فعن سيدنا عبد الله بن سلام (رضي الله عنه) يقول : لما قدم النبي (صلى الله عليه وسلم) المدينة جئته فنظرت إليه فعرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، فكان أول ما سمعت منه ؛ ” أَفْشُوا السَّلامَ , وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ , وَصِلُوا الأَرْحَامَ , وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ , تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ” (جامع الترمذي).

ألا ترى هنا إلى حديث من وصفه ربه (عز وجل) بأنه لا ينطق عن الهوى ، وهو يجعل سبيل الدخول إلى جنته في أربعة أمور ، ثلاثة منهم تتصل بالرقي في المعاملة مع الخلق ، وهي : إطعام الطعام ، وإفشاء السلام ، وصلة الأرحام ، وواحدة فيما بين العبد وربه وهي الصلاة بالليل والناس نيام ، مع تقديم الثلاثة على هذه الواحدة ، وما ذاك إلا لحرص الإسلام على العلاقات الإنسانية السوية ، بل أبعد من هذا يحثنا ديننا على إلقاء السلام على من عرفنا ومن لم نعرف ، ويجعل شعار السلام وإلقاءه على الناس علامة الإيمان البارزة الساطعة ، قال تعالى : ” وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً ” (النساء : 94) ، وحث على مبادلة التحية بأحسن منها أو ردها على أقل تقدير حيث يقول الحق سبحانه : ” وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً ” (النساء : 86) .

وقد جعل الإسلام للسلام أسسا تندرج جميعها تحت مظلة الرقي الإنساني ، بأن يسلّم الصغير على الكبير ، والراكب على الماشي (المترجل) ، والماشي على الجالس ، والواحد على الجماعة ، وقالو ا : من حق الأخ على أخيه أنه إذا لقيه أن يسلم عليه، وأن يفسح له في المجالس ، بل حذر الإسلام تحذيرًا كبيرًا من الإعراض والتجاهل عن إلقاء السلام أو رده ، فقال نبينا (صلى الله عليه وسلم) ” لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا ، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ ” (صحيح البخاري) .

وقد سمى رب العزة نفسه في أسمائه العلا التسعة والتسعين السلام ، فقال سبحانه : ” هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ” (الحشر :23) ، والجنة إنما هي دار السلام قال تعالى : ” لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ” (الأنعام : 127) ، وتحية المؤمنين فيها السلام ، يقول الحق سبحانه : “وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” (يونس : 10) ، وتحية المؤمنين عند لقاء ربهم السلام ، يقول سبحانه : ” تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً ” (الأحزاب : 44) ، ” وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ” (الرعد : 24) .

إذن فإفشاء السلام قيمة ، ومنهج حياة ، وسبيل نجاة ، على أن يكون سلامًا حقيقيًا لا شكليًّا ، وأن يستحضر من يلقي السلام قيم السلام ، وأن يكون الإنسان سلامًا حتى مع الحيوان والجماد ومع الكون كله ، فلا يقطع شجرًا ، ولا يحرق زرعًا ، ولا يخرب عامرًا ، ولا يهدم بنيانًا ، ولا يؤذي طائرًا أو بهيمة أو إنسانًا ، بل يكون سلما وسلامًا مع نفسه ومع الكون كله ، حيث يقول الحق سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ” (التوبة : 208) .